الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.مقتل بجير بن زياد. ولما قتل بكير بسعاية بجير بن ورقاء تعاقد بنو سعد بن عوف من تميم وهم عشيرته على الطلب بدمه وخرج فتى منهم من البادية إسمه شمردل وقدم خراسان ووقف يوما على بجير فطعنه فصرعه ولم يمت وقتل شمردل وجاء مكانه صعصعة بن حرب العوفي ومضى إلى سجستان وجاور قرابة بجير مدة وانتسب إلى خنفية ثم قال لهم: إن لي بخراسان ميراثا فاكتبوا إلى بجير يعينني فكتبوا له وجاء إليه وأخبره بنسبه وميراثه وأقام عنده شهرا يحضر باب المهلب وقد أنس به وأمن عائلته وجاء صعصعة يوما وهو عند المهلب في قميص ورداء ودنا ليكلمه فطعنه ومات من الغد وقال صعصعة فمنعته مقاعس وقالوا أخذ بثأره فحمل المهلب دم صعصعة وجعل دم بجير ببكير وقيل إن المهلب بعثه إلى بجير فقتله والله أعلم وكان ذلك سنة إحدى وثمانين..ولاية الحجاج على خراسان وسجستان. وفي سنة ثمان وسبعين عزل عبد الملك أمية بن عبد الله عن خراسان وسجستان وضمهما إلى الحجاج بن يوسف فبعث المهلب بن أبي صفرة على خراسان وقد كان فرغ من حرب الأزارقة فاستدعاه وأجلسه معه على السرير وأحسن إلى أهل البلاد من أصحابه وزادهم وبعث عبيد الله بن أبي بكرة على سجستان فأما المهلب فقدم ابنه حبيبا إلى خراسان فلم يعرض لأمية ولا لعماله حتى قدم أبوه المهلب بعد سنة من ولايته وسار في خمسة آلاف وقطع النهر الغربي وما وراء النهر وعلى مقدمته أبو الأدهم الرماني في ثلاثة آلاف فنزل على كش وجاءه ابن عمر الختن يستنجده على ابن عمه فبعث معه ابنه يزيد فبيت ابن العم عساكر الختن وقتل الملك وجاءه صر يريد قلعتهم حتى صالحوا بما رضي ورجع وبعث ابنه حبيبا في أربعة آلاف صاحب بخارى في أربعين ألفا وكبس بعض جنده في قرية فقتلهم وأحرقها ورجع إلى أبيه وأقام المهلب يحاصر كش سنتين حتى صالحوه على فدية وأما عبد الله بن أبي بكرة فأقام بسجستان ورتبيل على صلحه يؤدي الخراج ثم امتنع فأمر الحجاج ابن أبي بكرة فغزوه واستباحوا بلاده فسار في أهل المصرين وعلى أهل الكوفة شريح بن هانئ من أصحاب علي فدخل بلاد رتبيل وتوغل فيها حتى كانوا على ثمانية عشر فرسخا من مدينتهم وأثخن واستباح وخرب القرى والحصون ثم أخذ الترك عليهم القرى والشعاب حتى ظنوا الهلكة فصالحهم عبيد الله على الخروج من أرضهم على أن يعطيهم سبعمائة ألف درهم ونكر ذلك عليه شريح وأبى إلا القتال وحرض الناس ورجع وقتل حين قتل في ناس من أصحابه ونجا الباقون وخرجوا من بلاد رتبيل ولقيهم الناس بالأطعمة فكانوا يموتون إذا شبعوا فجعلوا يطعمونهم السمن قليلا قليلا حتى استمروا وكتب الحجاج إلى عبد الملك يستأذنه في غزو بلاد رتبيل فأذن له فجهز عشرين ألف فارس من الكوفة وعشرين ألفا من البصرة واختار أهل الغنى والشجاعة وأزاح عللهم وأنفق فيهم ألفي ألف سوى أعطياتهم وأخذهم بالخيل الرائعة والسلاح الكامل وبعث عليهم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وكان يبغضه ويقول أريد قتله ويخبر الشعبي بذلك عبد الرحمن فيقول أنا أزيله عن سلطانه فلما بعثه على ذلك الجيش تنصح أخوه إسماعيل للحجاج وقال لا تبعثه فإني أخشى خلافه فقال هو أهيب لي من أن يخالف أمري وسار عبد الرحمن في الجيش وقدم سجستان واستنفرهم وحذر العقوبة لمن يتعدى وساروا جميعا إلى بلاد رتبيل وبذل الخراج فلم يقبل منه ودخل بلاده فحواها شيئا فشيئا وبعث عماله عليها ورجع المصالح بالنواحي والأرصاد على العقاب والشعاب وامتلأت أيدي الناس من الغنائم ومنع من التوغل في البلاد إلى قابل وقد قيل في بعث عبد الرحمن بن الأشعث غير هذا أن الحجاج كان قد أنزل هميان بن عدي السدي مسلحة بكرمان إن احتاج إليه عامل السند وسجستان فمضى هميان فبعث الحجاج عبد الرحمن بن الأشعث فهزمه وقام بموضعه ثم مات عبد الله بن أبي بكرة فولاه الحجاج مكانه وجهز إليه هذا الجيش وكان يسمى جيش الطواويس لحسن زيهم..أخبار ابن الأشعث ومقتله. ولما وصل كتاب ابن الأشعث إلى الحجاج كتب إليه يوبخه على القعود عن التوغل ويأمره بالمضي لما أمره به من هدم حصونهم وقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم وأعاد عليه الكتاب بذلك ثانيا وثالثا وقال له: إن مضيت وإلا فأخوك إسحق أمير الناس فجمع عبد الرحمن الناس ورد الرأي عليهم وقال: قد كنا عزمنا جميعا على ترك التوغل في بلد العدو ورأينا رأيا وكتب بذلك إلى الحجاج وهذا كتابه يستعجزني ويستضعفني ويأمرني بالتوغل بكم وأنا رجل منكم فثار الناس وقالوا: لا نسمع ولا نطيع للحجاج وقال أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني: اخلعوا عدو الله الحجاج وبايعوا الأمير عبد الرحمن فتنادى الناس من كل جانب فعلنا فعلنا وقال عبد المؤمن بن شيث بن ربعي: انصرفوا إلى عدو الله الحجاج فانفوه عن بلادكم ووثب الناس إلى عبد الرحمن على خلع الحجاج ونفيه من العراق وعلى النصرة له ولم يذكر عبد الملك وصالح عبد الرحمن رتبيل على أنه إن ظهر فلا خراج على رتبيل ما بقي من الدهر وإن هزم منعه ممن يريده وجعل عبد الرحمن على سبت عياض بن هميان الشيباني وعلى رومج عبد الله بن عامر التميمي وعلى كرمان حرثة بن عمر التميمي ثم سار إلى العراق في جموعه وأعشى همدان بين يديه يجري بمدحه وذم الحجاج وعلى مقدمته عطية بن عمير العيرني ولما بلغ فارس بدا للناس في أمر عبد الملك وقالوا إذا خلعنا الحجاج فقد خلعناه فخلعه الناس وبايعوا عبد الرحمن على السنة وعلى جهاد أهل الضلالة والمخلين وخلعهم وكتب الحجاج إلى عبد الملك يخبره ويستمده وكتب المهلب إلى الحجاج بأن لا يعترض أهل العراق حتى يسقطوا إلى أهليهم فنكر كتابه واتهمه وجند عبد الملك الجند إلى الحجاج فساروا إليه متتابعين وسار الحجاج من البصرة فنزل تستر وبعث مقدمة خيل فهزمهم أصحاب عبد الرحمن بعد قتال شديد وقتل منهم جمعا كثيرا وذلك في أضحى إحدى وثمانين وأجفل الحجاج إلى البصرة ثم تأخر عنها إلى الغاوية وراجع كتاب المهلب فعلم نصيحته ودخل عبد الرحمن البصرة فبايعه أهلها وسائر نواحيها لأن الحجاج كان اشتد على الناس في الخراج وأمر من دخل الأمصار أن يرجع إلى القرى يستوفي الجزية فنكر ذلك الناس وجعل أهل القرى يبكون منه فلما قدم عبد الرحمن بايعوه على حرب الحجاج وخلع عبد الملك ثم اشتد القتال بينهم في المحرم سنة اثنتين وثمانين وتزاحفوا على حرب الحجاج وخلع عبد الملك وانهزم أهل العراق وقصدوا الكوفة وانهزم منهم خلق كثير وفشا القتل في القرى فقتل منهم عقبة بن الغافر الأزدي في جماعة استلحموا معه وقتل الحجاج بعد الهزيمة منهم عشرة آلاف وكان هذا اليوم يسمى يوم الراوية واجتمع من بقي بالبصرة على عبد الرحمن ابن عباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب وبايعوه فقاتل بهم الحجاج خمس ليال ثم لحق بابن الأشعث بالكوفة ربيعة طائفة من أهل البصرة ولما جاء عبد الرحمن الكوفة وخليفة الحجاج عليها عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الله الحضرمي وثب مع مطر بن ناجية من بني تميم مع أهل الكوفة فاستولى على القصر وأخرجه فلما وصل ابن الأشعث لقيه أهل الكوفة واحتف به همدان وجاء إلى القصر فمنعه مطر فصعد الناس القصر وأخذوه فحبسه عبد الرحمن وملك الكوفة ثم إن الحجاج استعمل على البصرة الحكم بن أيوب الثقفي ورجع إلى الكوفة فنزل دوير فيرة ونزل عبد الرحمن دير الجماجم واجتمع إلى كل واحد أمداده وخندق على نفسه وبعث عبد الملك ابنه عبد الله وأخاه محمدا في جند كثيف وأمرهما أن يعرضا على أهل العراق عزل الحجاج ويجرى عليهم أعطياتهم كأهل الشام وينزل عبد الرحمن إلى أي بلد شاء عاملا لعبد الملك فوجم الحجاج لذلك وكتب إلى عبد الملك: إن هذا ممن يزيدهم جراءة وذكره بقضية عثمان وسعيد بن العاص فأبى عبد الملك من رأيه وعرض عبد الله ومحمد بن مروان ما جاء به عبد الملك وتشاور أهل العراق بينهم وأشار عليهم عبد الرحمن بقبول ذلك وأن العزة لهم على عبد الملك لا تزول فتوثبوا من كل جانب منكرين لذلك ومجددين الخلع وتقدمهم في ذلك عبد الله بن دواب السلمي وعمير بن تيحان ثم برزوا للقتال وجعل الحجاج على ميمنته عبد الرحمن بن سليم الكلبي وعلى ميسرته عمارة بن تميم اللخمي وعلى الخيل سفيان بن الأبرد الكلبي وعلى الرجالة عبد الله بن حبيب الحكمي وجعل عبد الرحمن على ميمنته الحجاج بن حارثة الخثعمي وعلى ميسرته الأبرد بن قرة التميمي وعلى خيله عبد الرحمن ابن العباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب وعلى رجالته محمد بن سعد بن أبي وقاص وعلى مجنبته عبد الله بن رزم الحرشي وعلى القرى جبلة بن زخر بن قيس الجعفي وفيهم سعيد بن جبير وعامر الشعبي وأبو البحتري الطائي وعبد الرحمن بن أبي ليلى ثم أقاموا يتزاحفون كل يوم ويقتتلون بقية سنتهم وكتيبة القرى معروفة بالصبر يحملون عليها فلا تنتقص فعبى الحجاج ثلاث كتائب مع الجراح بن عبد الله الحكمي وحملوا على القرى ثلاث حملات وجبلة يحرض القرى ويبيتهم والشعبي وسعيد بن جبير كذلك ثم حملوا على الكتائب ففرقوها وأزالوها عن مكانها وتأخر جبلة عنهم ليكون لهم فئة يرجعون إليه وأبصره الوليد بن نجيب الكلبي فقصده في جماعة من أهل الشام وقتله وجيء برأسه إلى الحجاج وقدموا عليهم مكانه وظهر القتل في القرى ثم اقتتلوا بعد ذلك ما يزيد على مائة يوم كثر فيها القتلى والمبارزة ثم اقتتلوا يوما في منتصف جمادى الآخرة وحمل سفيان بن الأبرد في ميمنة الحجاج على ميسرة عبد الرحمن فانهزم الأبرد بن قرة من غير قتال فتقوضت صفوف الميمنة وركبهم أصحاب الحجاج ثم انهزم عبد الرحمن وأصحابه ومضى الحجاج إلى الكوفة ومحمد بن مروان إلى الموصل وعبد الله بن عبد الملك إلى الشام وأخذ الحجاج الناس على أن يشهدوا على أنفسهم بالكفر وقتل من أبي ودعا بكميل بن زياد صاحب علي فقتله لاقتصاصه ثم أقام بالكوفة شهرا وأنزل أهل الشام في بيوت أهل الكوفة ولحق ابن الأشعث بالبصرة إليه جموع المنهزمين ومعه عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة ولحق به محمد بن سعد بن أبي وقاص بالمدائن وسار نحو الحجاج ومعه بسطام بن مصقلة بن هبيرة الشيباني كان قدم عليه قبل الهزيمة من الري وكان انتقض بها ثم غلب عليها ولحق بعبد الرحمن فكان معه وبايع عبد الرحمن خلق كثير على الموت ونزل مسكن وخندق عليه وعلى أصحابه والحجاج قبالتهم وقاتلهم خالد بن جرير بن عبد الله وكان قدم من خراسان في بعث الكوفة فقاتلهم خمسة عشر يوما من شعبان أشد قتال وقتل زياد بن غنيم القيني وكان علي صالح الحجاج فهد منهم ثم أبى بكر القتال وحل بسطام بن مصقلة بن هبيرة في أربعة آلاف من فرسان الكوفة والبصرة كسروا جفون سيوفهم وحملوا على أهل الشام فكشفوا الشام فكشفوهم مرارا وأحاط بهم الرماة ولحقوا فقتلوا وحمل عبد الملك بن المهلب على أصحاب عبد الرحمن فكشفوهم ثم حمل أصحاب الحجاج من كل جانب فانهزم عبد الرحمن وأصحابه وقتل عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه وأبو البحتري الطائي ومعلى بن الأشعث نحو سجستان ويقال إن بعض الأعراب جاء إلى الحجاج فدله على طريق من وراء معسكر ابن الأشعث فبعث معه أربعة آلاف جاؤا من ورائه وأصبح الحجاج فقاتله واستطرد له حتى نهب معسكره وأقبلت السرية من الليل إلى معسكر ابن الأشعث وكان الغرقى منهم أكثر من القتلى وجاء الحجاج إلى المعسكر فقتل من وجد فيه وكان عدة القتلى أربعة آلاف منهم: عبد الله بن شداد بن الهادي وبسطام بن مصقلة وعمر بن ربيعة الرقاشي وبشر بن المنذر الجارود وغيرهم ولما سار ابن الأشعث إلى سجستان أتبعه الحجاج بالعساكر وعليهم عمارة بن تميم اللخمي ومعهم محمد بن الحجاج فأدركوه بالسوس فقاتلوه وانهزم إلى سابور واجتمع إليه الأكراد وقاتلوا العساكر قتالا شديدا فهزم وخرج عمارة ولحق ابن الأشعث بكرمان فلقيه عامله بها وهيأ له النزول فنزل ثم رحل إلى زرنج فمنعه عامله من الدخول فحاصرها أياما ثم سار إلى بست وعليها من قبله عياض بن هميان بن هشام السلوبي الشيباني ثم استغفله فأوثقه وكان رتبيل ملك الترك قد سار ليستقبله ونزل على بست وتهدد عياضا فأطلقه وحمل رتبيل إلى بلاده وأنزله عنده واجتمع المنهزمون فاتفقوا على قصد خراسان لينموا بعشائرهم وقصدوا للصلاة عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحرث وكتبوا إلى عبد الرحمن بن الأشعث يستقدمونه فقدم عليهم وثناهم عن قصد خراسان مخافة من سطوة يزيد بن المهلب وأن يجتمع أهل الشام وأهل خراسان فأبوا وقالوا بل يكثر بها تابعنا فسار معهم إلى هراة فهرب عنهم عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة فخشي الانتقاض وقال: إنما أتيتكم وأمركم جميعا وأنا الآن منصرف إلى صاحبي الذي جئت من عنده يعني رتبيل ورجع عنهم في قليل وبقي معظم العسكر مع عبد الرحمن بن العباس بسجستان فجمع بابن الأشعث وسار إلى خراسان في عشرين ألفا ونزل هراة ولقوا الرقاد فقتلوه وبعث إليه يزيد بن المهلب بالرحلة من البلاد فقال إنما نزلنا لنستريح ونرتحل ثم أخذ في الجباية وسار نحوه يزيد بن المهلب والتقوا فافترق أصحاب عبد الرحمن عنه وصبرت معه طائفة ثم انهزموا وأمر يزيد بالكف عنهم وغنم ما في عسكرهم وأسر جماعة منهم فيهم محمد بن سعد بن أبي وقاص وعمر بن موسى بن عبد الله بن معمر وعباس بن الأسود بن عوف والهلقام بن نعيم بن القعقاع بن معبد بن زرارة وفيروز وأبوا العلج مولى عبيد الله بن معمر وسوار بن مروان وعبد الله بن طلحة الطلحات وعبد الله بن فضالة الزهراني الأزدي ولحق عبد الرحمن بن العباس بالسند وأتى ابن سمرة إلى مرو وانصرف يزيد إلى مرو وبعث بالأسرى إلى الحجاج مع سيدة بن نجدة وقال له أخوه حبيب: ألا تبعث عبد الرحمن بن طلحة؟ فإن له عندنا يدين وقد ودى عن المهلب لأبوه طلحة مائة ألف فتركه وترك عبد الله بن فضالة لأنه من الازد وبعث الباقين وقدموا عليه بمكان واسط قبل بنائها فدعا بفيروز وقال: ما أخرجك مع هؤلاء وليس بينك وبينهم نسب؟ قال: فتنة عمت الناس قال: أكتب أمولك فكتب ألفي ألف وأكثر فقال للحجاج: وأنا آمن على دمي؟ قال: لا والله لتؤدينها ثم أقتلك قال: لا تجمع مالي ودمي وأمر به فنحي ثم أحضر محمد بن سعد بن أبي وقاص فوبخه طويلا ثم أمر به فقتل ثم دعا بعمر بن موسى فوبخه ولاطفه في العذر فلم يقبل ثم أمر به فقتل ثم أحضر الهلقام بن نعيم فوبخه وقال: ابن الأشعث طلب الممالك فالذي طلبت أنت؟ قال: أن توليني العراق مكانه فأمر به فقتل ثم أحضر عبد الله بن عامر فعذله في عبد الله يزيد بن المهلب لأنه أطلق قومه من الأسر وقاد نحوه مطرا فأطرق الحجاج ثم قال: ما أنت وذاك؟ ثم أمر به فقتل فلم يزل في نفسه من يزيد حتى عزله ثم أمر بفيروز فعذب ولما أحس بالموت قال أظهروني للناس ليردوا علي ودائعي فلما ظهر نادى من كان لي عنده شيء فهو في حل فأمر به فقتل وأمر بقتل عمر بن فهر الكندي وكان شريفا وأحضر أعشى همدان واستنشده قصيدته بين الأثلج وبين قيس وفيها تحريض ابن الأشعث وأصحابه فقال: ليست هذه وإنما التي بين الأثلج وبين قيس بارق على روي الدال فأنشده فلما بلغ قوله بخ بخ للوالدة وللمولود قال: والله لا تبخبخ بعدها أبدا وقتل وسأل الحجاج عن الشعبي فقال له يزيد بن أبي مسلم إنه لحق بالري فكتب إلى قتيبة بن مسلم وهو عامله على الري بإرسال الشعبي فقدم على الحجاج سنة ثلاث وثمانين وكان ابن أبي مسلم له صديقا فأشار عليه بحسن الإعتذار فلما دخل على الحجاج سلم عليه بالأمرة وقال: وأيم الله لا أقول إلا الحق قد والله حرضنا وجهدنا فما كنا أقوياء فجرة ولا أتقياء بررة وقد نصرك الله وظفرت فإن سطوت فبذنوبنا وإن عفوت فبحلمك والحجة لك علينا فقال الحجاج: هذا والله أحب إلي ممن يقول ما شهدت ولا فعلت وسيفه يقطر من دمائنا ثم أمنه وانصرف ولما ظفر الحجاج بابن الأشعث وهزمه لحق كثير من المنهزمين بعمر بن الصلت وقد كان غلب على الري تلك الفتنة فلما اجتمعوا أرادوا أن يحظوا عند الحجاج ويمحوا عن ذنب الجماجم فأشاروا على عمر بخلع الحجاج فامتنع فدسوا عليه أباه فأجاب ولما سار قتيبة إلى الري خرجوا مع عمر لقتاله ثم غدروا به فانهزم ولحق بطبرستان وأقره الأصبهبد وأحسن إليه وأرادوا الوثوب على الأصبهبد فشاور أباه وقال: قد علمت الأعاجم أني أشرف منه فمنعه أبوه ودخل قتيبة الري وكتب الحجاج إلى الأصبهبد أن يبعث بهم أو برؤسهم ففعل ذلك: ولما انصرف عبد الرحمن بن الأشعث من هراة إلى رتبيل قال له علقمة ابن عمر الازدي: لا أدخل معك دار الحرب لأن رتبيل إن دخل إليه الحجاج فيك وفي أصحابك قتلكم أو أسلمكم إليه ونحن خمسمائة قد تبايعنا على أن نتحصن بمدينة حتى نأمن أو نموت كراما وقدم عليهم مودود البصري وزحف إليهم عمارة بن تميم اللخمي وحاصرهم حتى استأمنوا فخرجوا إليه وقلاهم وتتابعت كتب الحجاج إلى رتبيل وزحف عليه وأغرى في عبد الرحمن يرهبه ويرغبه وكان عبيد بن سميع التميمي من أصحاب الأشعث وكان رسوله إلى رتبيل أولا فأنس به رتبيل وزحف عليه وأغرى القاسم بن الأشعث أخاه عبد الرحمن فخافه وزير لرتبيل أخذ العهد من الحجاج وإسلام عبد الرحمن إليه على أن يكف عن أرضه سبع سنين فأجابه رتبيل وخرج إلى عمارة سرا وكتب عمارة إلى الحجاج بذلك فأجاب وكتب له بالكف عنه عشر سنين وبعث إليه رتبيل برأس عبد الرحمن وقيل مات بالسل فقطع رأسه وبعث به وقيل أرسله مقيدا مع ثلاثين من أهل بيته إلى عمارة فألقى عبد الرحمن نفسه من سطح القصر فمات فبعث عمارة برأسه وذلك سنة أربع أو خمس وثمانين.قد كنا قدمنا حصار المهلب مدينة كش من وراء النهر فأقام عليها سنتين وكان استخلف على خراسان ابنه المغيرة فمات سنة اثنتين وثمانين فجزع عليه وبعث ابنه يزيد إلى مرو ومكنه في سبعين فارسا ولقيهم في مفازة نسف جمع من الترك يقاربون الخمسمائة فقاتلوا قتالا شديدا يطلبون ما في أيديهم والمغيرة يمتنع حتى أعطى بعض أصحابه لبعضهم شيئا من المتاع والسلاح ولحقوا بهم ولحق يزيد بمرو ثم سأل أهل كش من المهلب الصلح على مال يعطونه فاسترهن منهم رهنا من أبنائهم في ذلك وانفتل المهلب وخلف حريث بن قطنة مولى خزاعة ليأخذ الفدية ويرد الرهن فلما صار ببلخ كتب إليه: لا تخل الرهن وإن قبضت الفدية حتى تقدم أرض بلخ لئلا يغيروا عليك فأقرأ صاحب كش كتابة وقال: وإن عجلت أعطيتك الرهن وأقول له جاء الكتاب بعد إعطائه فعجل صاحب كش بالفدية وأخذ الرهن وعرض له الترك كما عرضوا ليزيد وقاتلهم فقتلهم وأسر منهم أسرى ففدوهم فردا فردا وأطلقهم ولما وصل إلى المهلب ضربه ثلاثين سوطا عقوبة على مخالفة كتابه في الرهن فخلف حريث بن قطنة ليقتلن المهلب وخاف ثابتا أن كان ذلك المسير إليه فبعث إليه المهلب أخاه ثابت بن قطنة يلاطفه فأبى وحلف ليقتلن المهلب وخاف ثابت إن كان ذلك أن يقتلوا جميعا فأشار عليه باللحاق بموسى بن عبد الله بن حازم فلحق به في ثلثمائة من أصحابهما ثم هلك المهلب واستخلف ابنه يزيد وأوصى ابنه حبيبا بالصلاة وأوصى ولده جميعا بالاجتماع والإلفة ثم قال: أوصيكم بتقوى الله وصلة الرحم فإنها تنسىء في الأجل وتثري وتكثر العدد وأنهاكم عن القطيعة فإنها تعقب النار والذلة والقلة وعليكم بالطاعة والجماعة ولتكن فعالكم أفضل من مقالكم واتقوا الجواب وزلة اللسان فإن الرجل تزل قدمه فينعش ويزل لسانه فيهلك واعرفوا لمن يغشاكم حقه فكفى بغدو الرجل ورواحه إليكم تذكرة له وآثروا الجود على البخل وأحبوا العرف واصنعوا المعروف فإن الرجل من العرب تعده العدة فيموت فكيف بالصنيعة عنده وعليكم في الحرب بالتؤدة والمكيدة فإنها أنفع من الشجاعة وإذا كان اللقاء نزل القضاء وإن أخذ الرجل بالحزم فظفر قيل أتى الأمر وجهه فظفر وإن يظفر قيل ما فرط ولا ضيع ولكن القضاء غالب وعليكم بقراءة القرآن وتعلم السنن وآداب الصالحين وإياكم وكثرة الكلام في مجالسكم ثم مات وذلك سنة اثنتين وثمانين ويقال إنه لما حثهم على الإلفة والإجتماع أحضر سهاما محزومة فقال: أتكسرون هذه مجتمعة؟ قالوا: لا قال: فتكسرونها مفترقة؟ قالوا: نعم قال: فهكذا الجماعة واستولى يزيد على خراسان بعد أبيه وكتب له الحجاج بالعهد عليها ثم وضع العيون على بيزك حتى بلغه خروجه عن قلعته فسار إليها وحاصرها ففتحها وغنم ما كان فيها من الأموال والذخائر وكانت من أحصن القلاع وكان بيزك إذا أشرف عليها يسجد لها ولما فتحها كتب إلى الحجاج بالفتح وكان كاتبه يعمر العدواني حليف هذيل فكتب: إنا لقينا العدو فمنحنا الله أكنافهم فقتلنا طائفة ولحقت طائفة برؤس الجبال ومهامه الأودية وأهضام الغيطان وأفناء الأنهار فقال الحجاج: من يكتب ليزيد؟ قيل: يحيى بن يعمر فكتب بحمله على البريد فلما جاءه قال: أين ولدت؟ قال: بالأهواز قال: فمن أين هذه الفصاحة؟ قال: حفظت من أولاد أبي وكان فصيحا قال: يلحن عنبسة بن سعيد؟ قال: نعم كثيرا قال ففلان؟ قال: نعم قال: فأنا؟ قال: تلحن خفيفا تجعل أن موضع إن موضع أن قال: أجلتك ثلاثا وإن وجدتك بأرض العراق قتلتك فرجع إلى خراسان.
|